السبت، 4 يونيو 2011

من المؤثر


كثيرا ما أسال نفسي من هو المؤثر في الآخر : هل الواقع هو المؤثر في السينما ومنه تستمد الإبداع ؟ أم أن السينما هي التي أصبحت تتحكم في واقعنا وحياتنا ؟
إن هذا السؤال لو كان سئل من خمسين عاما تقريبا لكانت الإجابة هي الأولي ؛ وذلك لأن السينما حتى العقد الأخير من القرن العشرين كانت تستمد موادها من الواقع المعاش ، لذلك فإن كل ما نشاهده من أفلام قديمة هي مرآه للواقع الحقيقي المعاش في تلك الفترة كما يحاكي عنه الآباء والأجداد . ذلك الواقع الذي كان مؤثر في السينما ومن بعد التلفاز وكذا الموسيقي والرسم والمسرح والأدب وكل شئ ، بداية من إثارة روح الوطنية من أجل تحرير الوطن من الظلم وإعادة البناء من جديد ، مرورا بالتعبير الصحيح عن المشاعر ومدي الاهتمام بتطبيق العادات والتقاليد في الشارع والمصلحة والمدرسة والبيت ، إلي جانب التعبير الصادق عن الرومانسية في كل أحوالها وتناول المشكلات الاجتماعية المختلفة بشي من العفة والأدب ، وإنتهاءا بالرسومات والإبداعات النحتية والتي جميعا تعبر عن مدي التأثر الإيجابي بين كلا الطرفين بشكل كان يعود في النهاية علي تقدم ورقي المجتمع ودفعه إلي الأمام ، وهو ما سيتركه الآباء والأجداد للأجيال القادمة .
هذا ما حققه السابقون ، ولكن ما الذي حققه الحاليون ليقدمه لمن سيأتي بعدهم ليكون أكمل لسلسة بدأها الأقدمون ؟
الحقيقة أراها أن نقف في منطقة الخزي والعار لمن نحن نقدمه الآن - إلا من رحم ربي - وما هو تراث للأجيال القادمة ، فنحن صفر علي اليسار من الماضي والمستقبل في كل شئ .
فالموسيقي بعد أن كان يقدمها موسيقار الأجيال وتتغني بها كوكب الشرق والعندليب وصولنا إلي نجم القرن والجيل الذي هو لا يمت بصلة للقرن أو الجيل . وصلنا إلي مرحلة السمع والرؤية بحاسة العين ، لا نري إلا الانحدار في كل شئ بداية من الكلمات التي لا تليق بالذوق العام وقد تصل إلي المساس وخدش الحياء ، فهل ذلك هو التاريخ الذي سنفخر به في سجل التاريخ الحافل بالأمجاد والانتصارات ؟
بل أن الأمر لم يتوقف عند حد الموسيقي التي تتأثر بكل ما هو منحط ووضيع ، بل أصبحت أيضا تؤثر بسلبياتها علينا التي هي مأخوذة من الأساس عن الغرب ، والذين لم نتأثر أو نحاول تقليدهم إلا في كل ما هو درئ ، فتكرنا للنغمة الشرقية التي تعبر عنا بعد وأدها في قمة مجدها واهتم الجميع بموسيقي البوب والروب بعد النغم الشرقي الأصيل .
بل إن الأمر لم يتوقف عن الانصياع نحو التقليد فقط ، بل اتجاهنا وأعتقد أننا ابتكارنا نظام تقديم الواقع كله علي أنه أسود ولا  
يوجد عندنا سوي الفقر الذي حتما سيؤدي بالشاب أو الفتاة علي السواء إلي الانحلال والانحراف نتيجة لأن الانحراف انتشر بين جميع الطبقات بكل فئات ، فهذه هي الواقعية وهذا هو التعبير عن الحرية والواقع المعاش . فهل هذا الواقع لا يحتوي إلا بما هو عشوائي ؟ ، وهل لا يوجد مواضيع عن النجاح والتفوق والثراء الذي يمكن الوصول إِليه من خلال الكد والتعب والاعتماد علي الله تعالي مع الأخذ بأسباب ؟ أم أن حياتنا تصير دائما من سيئ إلي أسوء بلا أي تقدم ؟
المشكلة أننا ننظر إلي النصف الفراغ من الكوب ولا نسعى أبدا إلي محاولة ملئه ، فلماذا كل ذلك الإحباط ونبرة الفشل التي نجدها فكل مكان حتى السينما التي من المفترض أنها الوسيلة الترفيهية التي ترفه عنا وسط متاعب الحياة الشاقة والتي لا ترحم ، فلقد كانت السينما والأفلام تمثل في وقت ما النسمة التي تهب وسط حر أغسطس ، فهلا يعود الفن السابع إلي ما كان عليه في سابق عهده من الشموخ والعلو والتنافس في المهرجانات العامة في معظم البلاد ؟
هذه لست مهمة صانع الفن فقط بل هي أيضا مهمة كل الشعب بكل الفئات في محاولة للارتقاء بالذوق العامة والعودة إلي السمو الفني والمجتمع ككل ؟ لنا الله .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق