الأربعاء، 29 مايو 2013

الوسطاء لا يمتنعون



الوسطاء لا يمتنعون
   الوسيط هو ربما يكون شئ أو شخص نستعين به للتواصل مع شخص آخر لتوضيح وجهة نظر معينة أو رؤية أو توصيل طلب أو رجاء إزاء موقف معين ، وهذا الوسيط - لو اعتبرناه شخص- يتم الاستعانة به علي اعتبار أنه همزة الوصل بين الطرفين، كما أنه يملك من رصيد الحب والمودة بين الطرفين ما يؤهله للقيام بفكرة التقارب.
  أو ربما يكون هذا الوسيط هو وسيط تجاري، وباللغة الشائعة بين المصريين "السمسار" الذي يتمتع بقدر من الموهبة والفطنة وربما بعض من المهارات في البيع والشراء يستطيع من خلالها تسويق السلع للمشتري، وإقناعه بمزاياها، في نهاية الصفقة يكون له مبلغ من المال "عمولة" من الطرفين مقابل تلك الخدمة، وقد أصبحت تلك العملية بمثابة عمل قائم بذاته تعمل به شركات وكيانات اقتصادية كبيرة في العديد من دول العالم.
   هذه هي الوساطة البشرية، فماذا عن الوساطة الربانية؟، بمعني آخر : هل يحتاج العبد وساطة أو وسيط بينه وبين خالقه سبحانه تعالي؟ فهل لابد من شخص يصل من خلاله شكوي العبد إلي ربه؟ أو بمعني أكثر وضوحا: هل أنت بحاجة إلي من تستخدمه وتستعين به للتقرب إلي الله؟
  منذ قديم العصور والأزمان كان هناك عباد صالحين آمنوا بما جاءت به رسل الله تعالي منذ القدم، وهؤلاء الصالحين كان الناس يحبوهم ويقلدوهم في طرق عبادتهم ، وبعد وفاتهم قرر الناس أن يقيموا تماثيل لهم تخليدا لذكراهم ، حتي يتذكرهم الناس دائما، ومع مرور الوقت بدأوا في زيارتهم تلك التماثيل ليتوسلوا إليهم في اعتبارهم وسيط بين الناس وربهم لقضاء حاجاتهم، ليزدادوا في ذلك بتقديم القرابين إلي تلك التماثيل في سبيل الدعاء والطلب والرجاء، لينتهي بهم الحال إلي عبادة تلك الأصنام بناء علي معتقدهم القائل في كتاب الله  (إنما نعبدهم ليقربونا إلي الله زلفي)، فهذا حال القرون الأولي التي كانت تعتبر أنه لابد من وجود وسيط للعبد عن طلبه أو رجائه إلي مولاه الأعلى.
  إلا أن الحال لا يختلف كثير عندنا في تلك الأيام عند الناس شتي، فكثير من الناس تسعي إلي الاستعانة بنفس الوسطة التي تقربه إلي الله تعالي ، وكأنه والعياذ بالله أن الله الذي خلق الإنسان يحتاج إلي عبد يوصل شكوي عبد إلي ربه، فنجد المقام والضريح لولي من أولياء الله الصالحين ممن عرف عنهم التقوى والورع وقوة صلته بربه لما كان يتمتع به هذا الشخص من زهد وإيمان ، وبعد وفاته يحول الناس مدفنه إلي ضريح يزوره الناس من كل صوب وحدب ليتمتعوا ببركاته ونفحاته، ويدعوه بأن يكون المدد والعون له علي قضاء الحاجات والتمتع بكامل الصحة ووفرة الرزق ..الخ، ولا مانع في ذلك من ندر الندور ، ونفس الشئ يتم العمل به عند أضرحة المشايخ وآل بيت رسول الكريم بداية من قرءاة الفاتحة لهم، مرورا بمسح الأيدي علي الضريح من الخارج لأخذ البركة منه، وما ينذره الداعي في حال تحقق مراده من إشعال الشموع ودبح الذبائح. كل ذلك إنما هو نتيجة للجهل الديني الذي يعيش فيه العديد من الناس ، وقد يتعلق هذا الجهل بفكرة كون الإنسان من المتعلمين أو الآميين، ولكنه نابع من عدم معرفة كافية بأصول وأسس ديننا الحنيف ،أو جهل بمعني الآية الكريمة التي تقول ( وإذا سألك عبادي عني فإني قريب اجيب دعوة الداعي إذا دعاني).
     كما أن هناك نوع آخر من الوسطاء الذين يتخذونهم الناس وسيلة في التقرب إلي الله، بل وإن كثير من الناس يعتبرون أنها السبيل الوحيد إليهم تعالي ، ألا وهي القنوات الفضائية الدينية في العموم، فبالأمس القريب وفي ظل
ما أصبح فيه من عصر السموات المفتوحة ظهرت لنا العديد من القنوات التي تطلق علي نفسها "دينية إسلامية"، تلك القنوات التي حملت علي عاتقها منذ الوهلة الأولي نشر وتعريف الناس بكل صغيرة وكبيرة في الإسلام، والتعمق في بواطن كل شئ في الدين، وذلك من خلال مجموعة ممن أطلقوا علي أنفسهم اصطلاح "شيوخ" متفقهين في كل أمور الدين، وبدأت الناس شيئا فشيئا في متابعة الشيخ فلان والشيخ علان الذين يساعدونا علي معرفة مالا نعرفه عن ديننا وسنن رسولنا، وتحول موعد برنامج الشيخ إلي موعد مقدس بالضبط كموعد الصلاة الذي لا يمكن تفويته أو السهو عنه، وكأن الناس بدأت تدرك فجأة أنهم مسلمون وأنهم لا يفقهون شئ عن دينهم، وأنه رغم كبر سنهم فإن ثقافتهم الدينية لا تساوي شئ، وأنهم كانوا لا يقيمون دين الله بالمعني الذي يتحدث عنه هؤلاء الشيوخ، رغم أنك لو نظرت إلي حياة هؤلاء الناس في مجملها تجد أنهم كانوا يقيمون شرع الله كما ينبغي أن يكون في مراعاة حرمات الله في كل صغيرة وكبيرة، وإقامة الصلوات وقيام الليل، والصيام والزكاة والقيام بكل ما أمر به الله في كتابه وفي سنة رسوله الكريم، والإمتناع عن كل النواهي.
    ولكن للأسف الشديد لغي هؤلاء الناس كل ما مضي في حياتهم السابقة، نسوا كل ما تربوا عليه من الأخلاق الحميدة التي جاءت في الأصل من أوامر الإسلام، والتي كما ذكرت أنهم كانوا يطبقوها بحذافيرها بالفطرة التي خلقهم الله بها وبالتربية السليمة المتناقلة من جيل إلي جيل بنفس الفطرة، ونسي نفس الأشخاص - وبالأخص المتعلمين منهم - أن حصة التربية الدينية وكتابها ومُدرسها جميعهم كان له تأثير كبير في تكوين ثقافته الدينية التي فرقت له بين الخير والشر، الصالح والطالح، المعروف والمنكر، تلك الأشياء التي ليست شئ مستحدث خرج به علينا هؤلاء المشايخ، أو كنز ساعدونا في الوصول إليه، فدائما اتسشعر في كلمهم وطريقة وعظهم للناس وكأنهم  هم - والعياذ بالله - هم من آتوا أو استحدثوا قواعد وآدبيات ديننا.
     ولا يجب أن نغفل بالدور الذي يحاول هؤلاء الشيوخ القيام به فيما يسميه البعض بـ "محاكم التفتيش" أو ما يطلق عليه قساوسة الفضائيات الدينية بـ "الواجب"، فتجد أنه عقب انتهاء الشيخ من درسه وقبل ختامه للحلقة يذكر المشاهد بأن عليه واجب لابد ألا ينساه وهو قيام الليل مثلا، أو يذكر المشاهد بأن الغد هو يوم الاثنين أو الخميس وعليه أن يستعد لصيامهم أسوة بالرسول الكريم (صلي الله عليه وسلم)، وكذا الحال بالنسبة للثالث والرابع والخامس عشر منتصف الشهر العربي، وأكثر ما لفت انتباهي في ذلك الأمر الطريقة التي يأمر بها المشاهد وكأنه هذا المشاهد لا يعي فضل هذه الأيام، أو أنه يحتاج إلي إرشاد وتوجيه بل وإلحاح كالطالب الذي يأمره أستاذه بعمل واجبه ويشدد عليه لدرجة تشعرك بأنه هو من سيحاسبك علي ذلك وليس ربكم الأعلي.
     وفوق هذا وذلك نجد أن كثير من تلك البرامج علي هذه الشاشات الدينية قد تحولت إلي ساحات سياسية تسعي إلي استخدام مفهوم الدين وآيات القرآن في خدمة أغراض سياسية، فمثلا خلال متابعتي لإحدى هذه القنوات وجدت أنها أثناء وجود استفتاءات دستورية كانت تقوم بعمل حلقات مباشرة تجمع فيها كل الشيوخ التي يتابعها الناس علي تلك القنوات في جلسة تستمر لساعات متأخرة من الليل، ويتلخص محور النقاش كله حول قول شئ واحد وهو إقناع الناس بضرورة التصويت "بنعم"، وذلك بناءا علي أن نعم في المقام الأول هي لله وللدين والشريعة والوطن في آخر الأولويات بالطبع، الأمر الذي يجعل نستنتج في النهاية لماذا تكتسح نعم في جميع الاستفتاءات.
    آخيرا ولن يكون آخر المطاف لابد أن يعلم هؤلاء الذي نصبوا أنفسهم أوصياء علي الدين وآمرين للناس أن الوحي قد انقطع بموت آخر وختام المرسلين محمد (صلي الله عليه وسلم)، وأن الله تعالي يقول (فاسئلوا أهل الذكر
إن كنتم لا تعلمون)، فإن وظيفتكم في ذلك المقام هو إرشاد الناس إلي ما هو مبهم بالنسبة لهم، وتسير وتبسيط شرح الآيات والأحاديث، لكنها لم تذكر أبدا أن علي بني البشر إتباعكم بعيون مغلقة وقلوب تطيع بلا إمعان للعقل فيما تقولون، فإذا كان الخالق القادر قد أمر بالتدبير في خلقه وآياته، فهل يأتي عبد ويأمر عبد مثله بالإمتثال لوامره دون عقل أو تفكير ( أفلا يتدبرون) ، ( أفلا يعقلون).

الثلاثاء، 28 مايو 2013

حياة لم أكن فيها



  
                                              

                          حياة لم أكن فيها

  عندما استعرض ذكريات وشرائط حياتي من صور أجد نفسي في أحيان كثيرة وكأنني لا أعرف من داخل هذه الأشخاص، حتي أني لا أذكر أنني كنت طرف من أطراف هذه الذكريات، كل ما أشاهد تلك الصورة مع الأصدقاء والأقارب أشعر بغربتي ، فأشعر كأني علاقتي بتلك الصور كمتفرج عادي لم يكن داخل تلك الذكريات، لا يعرف علاقاته بتلك البشر أو حتي لا يعرف موقعه داخل تلك الأحداث.
  ربما يري البعض أن هذا الإحساس نابع من كون مرور فترة طويلة علي تلك الذكريات، أو أن وقت حدوثها كان الإنسان لازال حديث السن فلا يستطيع تذكر تلك الأحداث، أو ربما من كثرة ما مر به الإنسان من مواقف تتفاوت فيما بين الفرح والحزن، ووقع ما تتركه الأحداث السيئة في نفس الإنسان أكثر من الأحداث المبهجة، الأمر الذي يؤدي بالإنسان في النهاية لأن يفقد وقع الآثار الحميدة التي تركتها الأحداث السيئة في نفسه.
  لكن ما يمكن تأكيده في هذا الأمر هو أن الإنسان الذي يترك نفسه فريسة للواقع السيئة في حياته عادة ما يكمل حياته في نفق مظلم لا يستطيع الخروج منه، بل وإن كل ما يحدث حوله عادة ما يقوده - سواء بطريقة مباشرة أو غير مباشرة- إلي المضي قدما في نفس الممر المظلم إلي مالا نهاية.
  عندما كنا في الماضي كنا نشعر بإحساسين متناقضين: أولهما رغبتنا في الاستمرار في تلك اللحظة لا تنفضي أبدا، وثانيهما الرغبة في تخطي ذلك الحاضر بسرعة تطلعا إلي مستقبل أفضل مختلف نستطيع فيه تحقيق ما نحلم به والذي قد نعجر عن تحقيق في ذلك الوقت.  ولكن للأسف بعد مرور ذلك الحاضر الذي أصبح ماضي اكشفنا زيف اللحظة التي تضاربت فيها المشاعر، بل وربما نفقد الإحساس بها من الأساس ونسعي إلي تناسي الفكرة واللحظة بكل ما تحمله من أحداث ومشاعر.
  خلاصة شعوري بعد ذلك العمر تساوي "صفر" لم أحصل أي شئ، كأن ما مر من العمر هو حلم حافل بالحلو والمر، حلم طويل استيقظت منه متأخرة ولم أستطع حتي الآن موقفي أو تفسيري لذلك الحلم، هل هو حلم جميل في حاجة إلي الاستكمال أم أنه كابوس لابد أن استعيذ منه من الشيطان الرجيم لكي أتمكن من استكمال حياته بعد محوه من ذاكرتي.
لكني وإن لم أتمكن من عمل ذلك المحو فعلي أن اتجه إلي النموذج أو التيار الذي يؤمن بضرورة عدم النظر إلي الوراء أو حتي مجرد تذكره في لحظة من اللحظات، بل لابد لي من أن أسعي جاهد إلي صنع الحياة التي طالما حلمت بها وتخيلتها في ذهني، فإذا كنا لا نختار حياتنا فلما لا نحاول صنع أقدارنا ومستقبلنا الذي ربما نجد فيها سلوي، ونصنع من خلاله اللحظة التي تجدر بأن تكون في وقت ما ذكريات كنا وعشنا وتمتعنا فيها بالفعل، ولا ننكرها أو نلقيها في طيات نسياننا.