السبت، 4 يونيو 2011

من شرعية يوليو إلي التحرير


  تقريبا كل خمسين عام تمر مصر بأحداث تنقلها من عهد إلي عهد ، ومن فترة إلي أخري : بداية من 1919 التي كانت ثورة تعبر عن نمو الشعو ر الوطني الشعبي الذي خرج بكل طوائفه وطبقاته ليكشف لقوات الاحتلال عن أن هذا الشعب له وجود حقيقي يستطيع أن يعبر عنه ويغير من خلاله مجريات الأحداث .
فلم تكن ثورة 19 لمجرد الاعتراض علي نفي سعد باشا خارج أرض الوطن ، أو رفض مؤتمر الصلح مطالب الوفد المصري فقط ، بل كانت أيضا انتفاضة من داخل كل مصري رافض لأوضاع الاستغلال التي كانت موجودة له من كل جانب .
تلك الثورة كانت مقدمة حقيقة لما هو أكثر من مجرد تغيير قرارات أو أصدار دستور يلهي الناس ، تلك البذرة التي ظهرت آثارها الحقيقة وجنت مصر ثمارها الحقيقة ثورة يوليو .
ثورة يوليو تعتبر الحصاد الحقيقي علي كل المستويات والمجالات السياسية والاقتصادية لثورة 1919 ، بداية من الأهداف الستة التي خرجت بها ثورة يوليو ، وصولا إلي معركة التحرير في 1973 . فالسلسلة متصل كل حلقة تقودنا إلأخري دون انقطاع .
وثورة يوليو عندما قامت علي يد ضباط الجيش وتحت رعاية تنظيم الضباط الأحرار الذي هو في النهاية يؤول إلي الجيش كانت تهدف إلي التطهير من كل شئ : من الاستبداد والاستعمار والرأسمالية واستبداد الطبقة العليا والمساواة في الحقوق والواجبات بين كل الأفراد .  ثورة نسفت كل ما هو فاسد وقديم ، قضت علي النظام الملكي وأقامت الجمهورية ، أقامت دستور جديد للبلاد، نظمت الحياة السياسة وأقامت نظام دستوري جديد ، قضت علي الاستعمار وأعوانه في البلاد ، كل ما قامت وأرسست دعائمه ثورة يوليو المجيدة استمر في عهد جمال عبد الناصر ثم أنور السادات وفترة من عهد مبارك .
وأريد هنا أن أوضح شئ بالغ الأهمية وهو أنه إذا تأملنا مبدأ وانجازات بل وأسباب قيام ثورة يوليو فسنجد أنها لم تكن فقط مناسبة لذلك العصر فقط ، بل أننا لو تأملنا مبدأ وأساسيات الثورة في التعامل مع المشاكل الاقتصادية والاجتماعية والطرق التي قدمتها لحل تلك المشاكل ، فإننا نجد أن معظمها يمكن الاستعانة به الآن في حل مشاكلنا التي تواجهنا في الوقت الراهن ، وهذا لا يقلل من قيمة الأفكار المطروحة في الوقت الراهن لنخطي الأزمة ، ولكننا يمكننا الاهتتمام برؤوس موضوعات تلك الأفكار والحلول التي طرحتها ثورة يوليو باعتبار وجود مجموعة من الأسباب والأحداث المختلفة التي تجمع بين ثورة 23 يوليو وثروة 25 يناير باعتبار أن التاريخ – كما قلت – سلسلة متصلة  تقود كل منها إلي الآخري دون العودة إلي الوراء ، أو محاولة رفع أحد الحدثين علي حساب الآخر .
السؤال الأهم هنا: شرعية من أبدي الآن 23يوليو أم 25 يناير ؟! .
اعتقد أنه من الوهلة الأول قد يجد الكثير صعوبة في الإجابة ، وقد يختلف الكثير في الإجابة عنه حسب الاتجاه الفكري لكل واحد وإيمانه بكل ثورة وأفكار تجاه كل منهما ، والبعض قد يري بشرعية يوليو نظرا لأولويتها الزمنية وظروف التاريخية ، والبعض الآخر قد يعطي الحق الكامل لثورة يناير لما تشكله من نظرة مختلفة إلي أحوال المجتمع ، وأنها ضمت كل أطياف الشعب وطبقاته المختلفة دون التمييز، بعكس ثورة يوليو التي نبعت من الجيش واحتضنها من البداية حتي وصل بها إلي التنفيذ علي أرض الواقع .
 فالأولي تم برعاية مجموعة من الأفراد ثم انتقلت إلي باقي الشعب ، والثانية كانت من الشعب . السؤال أيضا رغم أهميته لكن لا يعني أننا نقارن بين الاثنين فلا وجه للمقارنة لأن الأهداف واحدة وهي الوطن ، لكن علينا التيقن بشئ مهم وهو أننا لا يمكن أن نلغي واحدة في سبيل الآخر ، أو أن نقول أن عهد يوليو انتهي باعتبار أنه بعد ثورة يوليو كان الحكم في مصر علي يد حكام عسكريين لأنهم هم من فجروا الثورة وقاموا بها وهذا لا يقلل من هؤلاء الحكام أو من شأن الثورة نفسها ، أما ثورة يناير فهي اعتقد أنها ستحاول اللجوء إلي خوض تجربة الحكم المدني – وكما أشرت من قبل أن ذلك لا يعني التقليل من شأن الحكام العسكريين – فلقد حكم مصر البكباشي جمال عبد الناصر الذي كان يعتبر من أهم حكام المنطقة بل ومصر خلال مجموعة من العصور ، والذي كان العالم كله بضع مصر في عهد في المقام الأول – ويعمل لها ألف حساب -، مرورا بالسادات بطل الحرب والسلام ، انتهاءا بمبارك الذي لا يمكن أغفال دوره بالرغم من مساؤي عصره التي قضت علي حكمه في النهاية ، فتلك التجربة خاضتها مصر بحلول ومررها دون التقليل منها ، لكن مصر تحتاج الآن إلي الانتقال إلي مرحلة جديدة بفترة حكم مختلفة التي لم تحدد بعد الآن ملامحها ، لكن هذا لا ينفي ضرورة وضع ملامح ورؤي مسبقه للمرحلة القادم .
 السؤال عن الشرعية مجرد سؤال خاطر علي الذهن ، ولم أجد له إجابة حتي الآن ، ولكني اعتقد أن الإجابة المثالية أو بمعني أدق – المنطقية – هي أننا لا يجب ألا نبحث عن أي منهم أبدي لنا ، بل يجب أن نأخذ من كلا منهما ما هو صالح لاستكمال الفترة المقبلة ، وفي النهاية كلا منها انتصار للإرادة المصرية ضد أي محاولة لوأدها ، كما أن كليهما إضافة لتاريخ الكفاح المصري في سبيل بناء ورفعة اسم مصر ، ودائما وأبدا مع كل ثورة وانتصار تحيا مصر .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق