الأربعاء، 24 أبريل 2013

هيبة اللغة


هيبة اللغة
  اعترف أنني واحد من ملايين الناس ممن ضيعوا هيبة اللغة ووقارها، وذلك عندما أجد نفسي منساقة إلي استعمال مرادفات غير عربية، أو ما تعريب كلمة أجنبية، أو تحويل الكلمات العربية النطق إلي انجليزية الكتابة. وهذا إن كان ليدل علي شئ ، فإنه يشير إلي مدي ضحالة واضمحلال معرفتنا بلغتنا الأولي والأصلية.
  فنحن أهملنا – وللأسف الشديدـ دراسة وتعلم لغة بلدنا وديننا ونبينا، فلا نجد مثلا من يسعي للبحث عن أخذ دورات تدريبية في لغنتا الأساسية، بل أننا نولي كل اهتمامتنا وجل اعتبارتنا للغات الآخرى، وأنا بذلك لا أقلل من شأن تعلم ودراسة هذه اللغات، فالحكمة تقول ( من عرف لغة قوم آمن مكرهم)، ولكننا بحاجة شديدة أن يكون لنا نفس الاهتمام باللغة العربية، فهي بحاجة إلي نفس التعمق والتثقف في جوانبها المختلفة.
  ونتيجة ذلك الإهمال أصبح لدينا طلبة جامعات وخريجي مؤهلات عالية ليس لديهم أي مؤهلة لكتابة أو لقراءة جملة عربية صحيحة نحويا ولغويا، لم تعد مشكلة الطلاب في كتابة الهمزة علي الألف أو علي السطر أو علي نبرة ، بل أصبحت المشكلة في طريقة نطق الكلمة نطقا عريباً صحيحاً، وتحويلها إلي كتابة صحيحة، فلقد اشتكي الكثير من أساتذة الجامعة من دنو ثقافة الجيل الحديث باللغة ، حتي أنه في أثناء تصحيح أحد أساتذتي بالجامعة لأوراق الامتحان وجد بعض الطلاب قد أخطئت في كتابر كلمات بسيطة مثل : أنه وجد كلمة (لكن) مكتوبة هكذا (لاكن)، وكلمة (القرابين) مكتوبة هكذا (الكرابين)، وكأنهم عندما كانوا يقرأوا كتب وملزم المذاكرة كانوا يقرأون بأذانهم وليس بأعينهم . بل أن بعض من الأساتذة أكدوا لنا أنهم صادفوا في كثير من إجابات الامتحان عدم إهتمام بعض الطلاب بوضع نقط الحروف في المكان الصحيح، وقد نسي البعض وضعها من الأساس، ناهيك عن عدم الإهتمام بوضوع الهمزة ، وعلامات الترقيم التي كنا نتعلمها في دروس الصف الرابع الإبتدائي سابقا - إن لم أكن نسيت – مثل الفصلة والفصلة المنقوطة، وبين الأقواس وشرطة الجملة الإعتراضية والتنوين بأنواعه الثلاث... إلي غير ذلك مما ذهب وضاع أدراج الرياح.
  إن المشكلة أصبحت تتفاقم بشكل جعل بعض من المحللين وأساتذة علم النفس والاجتماع يتوقعون بإندثار اللغة قريبا بعد جيل أو جيلين من الآن، وأرجعوا ذلك إلي عوامل كثيرة، ومنها علي سبيل المثال لا الحصر: إهمال حصة الخط العربي وكراسة الخط ، فبالرغم من أننا كثيرا كنا لا نهتم ونضجر بإصرار المدرس علي الكتابة في كراسة الخط من خلال خطي النسخ والرقعة، والتشديد الكامل علي ضرورة التآني في رسم وليس كتابة كل حرف من حروف الكلمة وطريفة كتابته وهمزاته ونقاطه، وكذلك الاهتمام بجمال ما نكتبه بالرقعة والنسخ؛ حتي تنطبع في أذهاننا رسم الحرف وشكل الكلمة ككل، إلا أننا كنا جميعا نكتب في معظم الأوقات في
كراسة الخط ملأ للفراغ وتأدية للغرض، ولم نكن نهتم أيضا بجمال الذي نكتبه في تلك السطور البسيط بداخل الكراسة، الأمر الذي أدي بنا في النهاية إلي تلك المرحلة المأسوية التي وصلنا إليها في التعامل مع لغتنا.
    كذلك فإن من أكثر الأمور التي أدت إلي ما نعيش فيه من عصر التشويش اللغوية عدم الاهتمام بالقراءة لعملاقة وكبار كُتاب الأدب والشعر العربي، إضافة إلي كبار المؤلفين في مجموعة الموضوعيات التي تتناول الفقه والدين والتاريخ والعلوم المختلفة، فنادراً ما تجد من يحفظ " ألفية ابن مالك " من غير الأزهريين، أو يفهم أحد معاني وطريق نطق كلمات في قصيدة للمتنبي أو أبو العلاء المعرى أو أمير الشعراء أحمد شوقي، أو أن يعرف أصلا من هؤلاء أو غيرهم من سادة اللغة العربية، أو أن يكون علي يعرف دور سيبوه أو أن أبي الأسود الدؤلي هو واضع علم النحو وأسهم في وضع النقط فوق الحروف في المصحف الشريف، أي أنه قبل عهد الدؤلي
 كانوا يقرأون الحروف دون نقاطها.
  علينا أن نغفل أحد الأسباب المهمة التي أري أنها ساهمت في تدهور اللغة من حيث النطق والكلام أو حتي في التعامل معها في اللغة اليومية ألا وهو الإعلام، وإنني لا أخص في ذلك الصحافة والجرائد اليومية التي ربما هي التي تهم بجزء ما في الحفاظ علي التراث اللغوي، ولكني أخص في ذلك الإعلام المرئي، فقلما نجد من يتحدوثون فيه باللغة العربية الصحيحية اللهم إلا النشرات الإخبارية فقط التي تتكلم في معظمها باللغة العربية الفصحي ،رغم وجود بعض الإرهاصات والأخطاء التي يحاول مذيعو النشرات التقليل منها، أما فيما ماعداهم فنحن في سيرك لغوي نحوي هجائي لا يعرف للعربية الأصلية معني في كلامه، بل وأنني لاحظت في كثير من اللقاءات التلفازية إجبار المذيع للضيف - عندما يكون هذا الضيف من الأدباء أو النخبة المثقفة الذي يتقن اللغة كما ينبغي الإتقان- يجبره المذيع علي التحدث باللغة العامية حتي يتسني لرجل الشارع البسيط الغير مثقف أو متعلم أن يفهم ويستوعب العبارات بسهولة، وفي هذا الإطار بالذات أنا اوجه السؤال لكل محاور وإعلامي: حتي وأن كل معظم متابعيك ومشاهديك من الفئات الكادحة متوسطة المستوي التعليمي أو من الأميين عليك أن تسعي إلي رفع ثقافتهم العربية اللغوية، فدائما من هو في مستوي ثقافي أعلي علينا أن يحاول جاهداُ أن يرتقي ويرفع الناس إلي ما هو أعلي لا أن يأخذهم ويهوى بهم في براثن الجهل.
  علينا جميع أن نستيقظ إلي ما يحيط بنا من محاولات طمس الهوية العربية، إلا أنني أظن أنها ليس محاولات خارجية ،إنما هي مما كسبت أيدينا نحن، حتي وأن كانت أصل تلك المحاولات اختراع خارجي، فإنني أظن أننا تفوقنا علي المؤامرة الأصلية، فنحن من فرطنا في هويتنا واستبدلنا لغتنا المتأصلة الجذور ببعض من أشباه اللغة وأشباه الكلام الذي ليس عبث اختلقناه لنمحي به ماضينا ونقضي علي المستقبل، فاللغة هي الأساس ، ومن بلا أساس تقتلعه الرياح.

السبت، 20 أبريل 2013

اليائسون



اليائسون
  هل تعرف لماذا يصل الإنسان لمرحلة اليأس؟ أو كيف يتحول من مرحلة الرضا والمضي في الحياة إلي ما يسمي باليأس والإحباط؟ بالطبع فهو لم يخلق يائس، ولم يكن يرضع يأسا، أو يبكي منذ نعومة أظافره من شده اليأس، بل أنه بسبب ما أصبح يعانيه من حوله تحول إلي شخص يائس ليس لديه حيله.
  بالرغم من أن الله تعالي خلق لنا العقل كي نختار الصالح من الطالح، ولكننا في كثير من أوقات حياتنا نفقد هذه المنحة الإلهية؛ وذلك إما بسبب جهل منا في التعامل معها، أو أن الظروف التي نقع فيها لا تتيح لها استخدام هذا الأوبشن، أو أن من حولنا يرون أنه ليس من حقنا الاختيار، فأنت طالما مثلا مازالت تحت وصاية أبيك فلا يحق لك الاختيار، أو أن سنك الصغير لا يسمح لك بإختيار هذا أو ذلك، فلابد من الانصياع لأوامر الكبار ؛لأنهم بكل بساطة لديهم من العمر والتاريخ والخبرات ما يؤهلهم للحكم علي الأشياء والمواقف أكثر منك لصغر سنك.
  عذر أقبح من ذنب، لأنه إذا كان يمتلك الخبرة فأنت تمتلك الإحساس الذي لديه دور كبير في الحكم والاختيار والذي يواقفك مع سنك، فوقفا للأبحاث والدراسات أثبت أطباء القلب والأعصاب أن الإنسان لديه "مخ" في القلب يوازي حجم المخ الموجود في الجمجمة، وأكدوا في ذلك أنه مخ متطور، ويمكن الاعتماد عليه كمخ قائم مستقل بذاته.
  إذا فأنت تقريبا - رغم حداثة أو صغر سنك- تمتلك قدرة الحكم علي الأشياء، وهذه القدرة بالرغم من أنها قد تخطئ في بعض الأحيان إلا أنها موجودة وجاهزة، وقد تحتاج في بعض الوقت إلي تعديلات خارجية، إلا أنه لا يمكن إلغائها، فليس من حقك أو من حق أي فرد أن يسلب منك حرية الاختيار، ليختار لك أبسط الأشياء في حياتك، لتندم علي هذا الاختيار وتتحول إلي مجرد يائس عابس علي تقوى علي القبول أو الرفض، لتتحول حياتك في النهاية أمامك إلي مجرد حجرة مظلمة لا تستطيع الخروج منها إلا بعض الإنصياع لأوامر التحرك من الآخر.
  إن اليأس قد يكون مجرد لحظة يعيشها فرد بمفرده نتيجة فشل في حب أو امتحان في العمل أو الدراسة أو فشله في حلم ، أو ربما فشله في محاولة إقامته لجسور من المد والتوصل بينه وبين من حوله، فيصبح من الداخل إنسان هش وممزق، منغلق علي نفسه.... يائس... مكتئب من الحياة ، وفي تلك اللحظة عليه أن يختار بين طريقين لا ثالث لهما: فإما أن يستمر في تلك الحالة حتي تقضي عليه وتنهي عمره وآماله ويصير إلي العدم الذي جاء منه دون أي إنجاز أو علامة يتركها من بعده، أو يسلك الطريق الآخر الذي ينتهي به بعد مشوار اليائس والإحباط - والذي لابد من إجتيازه في جميع الأحوال- إلي أن يسعي لتجديد آماله في الحياة، ويتخذ من لحظة اليأس والفشل التي مر بها - طالت به المدة أو قصرت- بداية لمشوار جديد، سواء قرر أن
يخوض هذا المشوار في سبيل تحقيق الهدف الفاشل من قبل، أو قرر اتخاذ قرار وهدف للمضي نحو هدف جديد وفكرة آخري، فأهم ما في الموضوع المحاولة التي تصل بنا للفوز في نهاية السباق بالجائزة الكبرى وهي تحقيق الحلم.
  ربما في كثير من الأحوال نترك أنفسنا فريسة لليأس، لا نسعي ولا نحاول، نستكين للفشل أو أول محاولة لم يكللها النجاح ، أو لم نصل فيها إلي النتيجة المطلوبة، لكننا بكل وضوح علينا أن نعي أنه ( لا يأس مع الحياة .... ولا حياة مع اليأس) كما قال الزعيم الراحل "مصطفي كامل"، لأنه لو كان عرف اليأس طريقا لإيمانه بقضية بلاده لما كافح وناضل في سبيلها حتي مات.
   إن كنت يائس من أي شئ في حياتك فأعلم أنك ميت لا محالة، ولا مكان لك علي خريطة البشرية، فإذا كنت يائس من حياتك ولديك اعتقاد راسخ أنك لا مكان ولا قيمة لك في هذه الحياة ، أو أنك فقدت كل ما تملكه عند أول عاصفة في حياتك ، فقط تذكر قول الحق تعالي:
 ( قل يا عبادي الذين أسرفوا علي أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنبوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم )

الثلاثاء، 16 أبريل 2013

كيف نختلف

كيف نختلف
      أخبرنا الحق تبارك وتعالي في كتابه العزيز بقوله ( وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا )، وقوله ( وما اختلف الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءهم الحق من ربهم ) أن الإختلاف هو سنة الناموس الكوني، فمنذ الخلق الأول وإلي أن يرث الله الأرض ومن عليها ستكون البشرية مختلفة ، علي أي شئ وكل شئ ، فالناس لم يٌجمعوا  علي الإيمان بديانة واحدة : فهناك المسلم والمسيحي واليهودي والبوذي ومن يعبدون النار ومن لا يعبدوا أي إله، كذلك هناك اختلاف بين البشر في الآراء والأفكار والتوجهات والاعتقادات الفكرية ، فكما تقول الحكمة " لولا اختلاف الأذواق لبارت السلع " ، وكذلك " الناس فيما يعشقون مذاهب "، لذا لا يوجد اتفاق بين فرقة أو جماعة علي شئ واحد حتي ولو كانت مجتمعة في الأصل علي إيمان واحد.
   لذا فالإختلاف هو الأصل وليس عرض طارئ علي البشرية نتيجة موقف معين أو ظروف سياسية أو اجتماعية ، فمن حقك كل الحق أن تختلف معي واختلاف معك، أن يتشبث كلا منا برأيه ومعتقدته وإيمانه ، نتناقش ونتحاور (وجادلهم بالتي هي أحسن)، ومن الممكن أن يقنع إحدى الطرفين الآخر، أو أن يظل كل طرف علي ما هو عليه، ولكن في نهاية المناقشة والحوار لابد أن نصل إلي فكرة واحدة : أن الاختلاف في الرأي لا يفسد للود قضية، وأن جميعنا ليس مطالب بإعنتاق أو التصديق في رؤى الآخرين حتي يتمكن من التواصل معهم.
    ما نعيشه اليوم علي جميع الأصعدة من تناحر من أجل تنفرد كل فرد بفرض رؤيته وأفكار وتحقيق أهدافه ومخططاته، دون النظر أو الاهتمام بتأثير ذلك علي الوطن أو الأفراد أو مدي تضارب تلك الأهداف مع مصالح هذا أو ذاك، وإذا كان هذا الشخص أو تلك الجماعة أو المنظمة علي علم أو إيمان واضح بمدي أهمية تلك الأفكار، فلماذا لا يقبل بوجود نوع من التوافق بينه وبين المختلف معهم في الأفكار - أو حتي وإن وصل هذا الإختلاف في الدين والاعتقاد- أن يأخذ منهم ما يحقق للجميع المصالحة العامة ، فأيهما من وجهة نظر هذا الفصيل المتشبث بالسلطة والرأي يتقدم علي الآخر: مصلحة الجمع أو الفريق الذي يعتقد أن يملك الصواب كل الصواب دون غيره ، ويعتقد أنه الوحيد الذي يملك الصواب والحق؟أم مصلحة الوطن العليا التي تتطلب في أحلك الأوقات تظافر جميع الإتنماءات والتيارات دون أي اعتبارات؟!
     إن المشكلة الأولي والأساسية والسبب الرئيسي فيما وصلنا إليه الآن من تشتت وتشرذم في كل حدب و صوب أننا لم نتعلم كيف نختلف، فقد نشأنا منذ الصغر علي احترام الكبير والعطف علي الصغير، لكننا لم نتعلم أو تندرب علي السلوك الذي يجب إتباعه عندما نختلف في رأي أو موضوع مع شخص ما، لم يعلمنا أحد أن الاختلاف أصل وليس عارض في موقف، فعندما كنا مثلا نختلف ونحن صغار علي لعبة أو رأي - حتي إن كان رأي طفولي تافه- كان مصير الاختلاف إما أن تضرب جميع الأطراف المتنازعة، أو تحرم جميعها من الشئ مصدر النزاع، أو أن ينتهي الحكم في النازع إلي نصرة طرف عن الآخر، نصرة سليمة كانت أو خاطئة في سبيل الإنتهاء من الموقف، ولكن كان لا ينظر في معظم الأحوال إلي معالجة لب أو أصل النازع ، أو السعي من جانب الحاكم في القضية إلي أن يفهم كل طرف ما بادر منه من صواب وخطأ في ذلك الأمر؛ لأن عدم مراعاة كل ما سبق من شروط وأساسيات في تلك المسألة البسيطة - اللي هي في الأصل لعب عيال- أدي بنا في النهاية إلي ما نراه أمام أعيننا من الكبار الذي لا يهمهم سوى المصلحة الخاصة.
    علموا أولادكم الاختلاف ، الذي لا يعني القتال ، أو بغض بين الناس، ولكن علموهم أنه إذا اختلف مع الآخر عليك احترام رأيه وفكره لأن ذلك من شيم ديننا الحنيف الذي يرتقي بأخلاق الشعوب التي تسعي إلي الرقي والتقدم، فكما تحترم الكبير ، احترم من تختلف معه في الرأي والتفكير.