الثلاثاء، 4 يونيو 2013

انتهاك التراث



انتهاك التراث
    كلمة (فن) في اعتقادي الشخصي هي تعبير عن مكنون الإنسان الداخلي من مشاعر وأحاسيس، وذلك بغض النظر عن نوع هذا الإحساس سواء أكان فرح أو حزن، سعادة وبهجة أو إنطواء، فهناك من الناس من يحاول التعبير عن هذا المكنون الداخلي من خلال رسم تلك الحالة، أو عزف مقطوعة تنم عنها، أو ربما الرقص لإخراج طاقته المكبوته، لذا فنحن كثير من نجد أن نتاج تلك الحالة المختلفة مجموعة من الإبداعية الفنية التي خلدت اسم صاحبها علي مر التاريخ.
    إذا فالفن نتاج اللحظة المزاجية، وهذه الحالة عادة ما تؤثر فيها طبيعة العصر الذي يعيش فيه الفن، فمثلا عندما قال المتنبي في إحدى أبيات قصيدته :
   الخيل والليل والبيداء تعرفني                  والسيف والرمح والقرطاس والقلم
   بيت الشعر هنا دليل واضح علي ما كانت تتميز به البيئة في عصر المتنبي، وذلك من حيث البيئة الصحراوية التي يكثر بها الاهتمام بالخيل، وأدوات الحرب وهي السيف والرماح، وكثرة الشعراء من خلال ذكر الشاعر للقرطاس والقلم، لذا فهو من خلال تعبيره عن حالته النفس نجده يتناول أشهر ما كان يتميز به ذلك العصر.
   وإذا قرأت روايات الأديب العالمي نجيب محفوظ مثل : "الثلاثية" علي سبيل المثل تجد أنها تتناول تفاصيل الحياة في ذلك العصر كنضال شباب الجامعات ضد احتلال البلاد وكيف كان يطمح كل شاب في نيل بلده الاستقلال التام حتي ولو دفع حياته ثمن لذلك المطلب، كما لم تغفل الرواية إلقاء الضوء علي سمات حياة المصريين الاجتماعية وحياة الأسرة المصرية بكل تفاصيل المأكل والمشرب وحتي الديكور والملابس التي كانت تتميز بها تلك الفترة، فذلك إنما يتناوله الكاتب في روايته تاركا شرح واضح ومفصل لذلك العصر، ومن يأتي بعد مرور السنوات لقراءة تلك الرواية فهو بذلك لا يقرأ أو يتمتع بأسلوب كاتب فحسب ، إنما يعيش في زمن الرواية نفسها بكل ما فيه من عادات وتقاليد وأعراف.
   فالفن هو مرآة العصر الذي كان فيه، تعيش من خلاله في أحداث الماضي دون أن تكون فيه، وبه تعرف شعوب الحاضر والمستقبل كيف كان من قبلهم، ونقيس تاريخ الشعوب وتقدمها بما قدمته من فكر وثقافة وآدب وإبداع وفن، وما يتركه من ميراث ثقافي هو ما يٌعرفوا به، وبعد كل ذلك يخرج علينا من يدعي ببساطة بأن الفن حرام؟! حرام إذا الشعر فهو فن، حرام القصص والأفكار التي تركها لنا الأسلاف الذين قضوا عمرهم في البحث والتذوق والتأليف، والفنون الشعبية حرام لأن الرقص في الأساس حرام وكمان الرقص الشعبي هو اختلاط بين الرجل والمرأة فهو حرام، لابد لنا بما أننا دولة إسلامية أن نقضي علي كل سبل الفجر والفحشاء التي أدت إلي انهيار أخلاق المجتمع وفساده، تلك البدع التي تم استيرادها من الغرب الذي ليس له دين ولا ملة، فما فائدة أن تقضي وقتك في مشاهدة الفن الخليع المسمي بالباليه الذي لا يدر علينا سواء مزيد من التدني والانحطاط في السلوك وانتشار الرذيلة ، ارحمونا يرحمكم الله.
   هذا هو الشعار المنتشر في وقتنا الحاضر، النهج الذي ينتهجه الأخوان واتباعهم ومن علي شاكلتهم الذي يرون بحرمة الفنون بكل أشكالها وأنواعها، بل ويضيعون وقت البلد الثمين الذي تحتاج كل دقيقة منه من أجل البناء في مناقشة حرمة فن الباليه وضرورة إلغائه، والقضاء علي التمثيل والغناء وكل تلك الأشياء التي كانت سببا في غضب الله علينا ووصولنا إلي تلك المرحلة من الانحدار الإيماني والأخلاقي.
   لقد تنبهت الحكومة ومسئوليها وأحزابها بأننا انتهينا من كل المحن والمصاعب التي تهدد أمن وسلامة
الوطن الاجتماعي والسياسي والاقتصادي ، وأصبحوا متفرغين لمشاكل الفن وحرمته. ليس معني كلامي هذا التشجيع علي الفن الفاسد الذي يخدش حياء المشاهد ويضر الذوق العام،لأننا للأسف تركنا الحبل علي الغارب، وبدلا من محاولة الانتخاب بين الصالح والطالح،أصبحنا نناقش في مجلس الشوري إلغاء فن الباليه دون أن يكون لدينا رقابة واعية علي دراسة وفهم لا حسب الأهواء والميول، ودون النظر إلي ما تقدمه القنوات من منكر مجاني ومتاح في كل الأوقات.
   إذا كنا نريد لهذا الشعب الفلاح والتقدم فلابد أن نضع كل شئ في نصابه الصحيح، فلا يمكننا أن نلغي الموسيقي أو الرقص الشعبي أو الباليه علي اعتبار أنها حرام، بل علينا أن نحاول دعم تلك الفنون علي أن تقدم بشكل راقي يناسب طبيعة وعادات مجتمعنا، نجعل الفن دائما عنوان يدل علينا عندما نقدمه أمام شعوب العالم أجمع، فهل لو حرمنا ومنعنا فنون الأوبرا والباليه والرقص الشعبي نكون بذ         لك قد قضينا علي عناصر الرذيلة في المجتمع، أم أننا من خلال المحافظة عليها ونشر وغيرها بشكل لائق اجتماعيا نكون به قد ساعدنا في الرقي النفسي والروحي والثقافي.
   علينا أن ننتبه ونعي جيدا بضرورة الحفاظ علي الموروث الفني الحقيقي وننميه وندعمه بكل ما نملك حتي لا نستيقظ في يوم ما ونجدنا قد أصبحنا بلا أي تراث...... أو فن........ أو ذوق......