السبت، 18 يونيو 2011

ومحت الذكريات

 وقفت علي صخرة مرتفعة عن البحر، وظلت تنظر إلي الأمواج المتلطمة كأنها تتدافع داخل صدرها وتترك آثارا داخل نفسها ، لقد تذكرت ذكريات الماضي التي كانت سببا في تلك الحالة التي وصلت إليها .
  فمنذ فترة ليست بالبعيدة كانت تعيش حياتها بكل ما فيها من متع ، أصدقاء ،حب ،دراسة ،قراءة ،حتي السفر والتنزه ، فهي من عائلة لها شنة ورنة في البلاد ، تعمل في مجال الاستيراد والتصدير ولها فروع في الداخل والخارج .
حياتها لا ينقصها شئ في الظاهر أمام الجميع ، لكنها كانت تحس عندما تختلي بنفسها بالنقص أو احتياجها لشئ غير موجود ، ولكنها لم تسطع الوصول إلي ذلك الشئ أو أن تضع يديها عليه ، ربما الحب ، ولكن حتي ذلك الشئ موجود ، ربما حاولت اقناعها نفسها منذ اللحظة الأولي أن تلك العلاقة لابد من أن تحسب بالعقل وليس بالقلب ، فهو فكر في الارتباط بها لحسبها ونسبها وجمالها ، وقبل كل ذلك كي يضمن المستقبل في شركات العائلة بعد التخرج.
  أما هي فقد شدها إليه طموحه ونشاطه الزائد ومهاراته الملموسة في كل أركان الجامعة ، وكذا ذكائه الحاد الذي بهرت به منذ أول لقاء لهما عندما عرفها عليه مجموعة من أصدقائهم المشتركين ، فهو أكبر منها بعامين فقط .
 حاول كلا الطرفين منذ اللحظات اقناع الآخر بأنه العلاقة هي مجرد صداقة ولن تتعدي ذلك الخط ، لكنه حاول أن يبادر بأخذ الخطوات التالية ليس طمعا في حبها وإنما فيما ستجلبه تلك العلاقة عليه من مكاسب علي المدي الطويل ، أو بصراحة شديدة حتي آخر العمر، لذلك كانت مفأجاته الكبرى عندما صارحها فجأة بحبه لها ورغبته في الارتباط الأبدي بها رغم أنه عمر صداقتهما – كما كانت هي دائما تطلق علي شكل أو توصيف العلاقة بينهما- لم يتعدي الثلاثة أشهر ، إلا أنه عندما فجأها بذلك الحب أحسسها في طريقة تعبيره عن مشاعره أنه يعرفها ويحبها منذ سنوات وأنه لابد من فتح آفاق جديدة لتلك العلاقة – علي حد قوله لها - ، تلك المصارحة  حتي صادمة لها أكثر من كونها فرحة كان لابد من أن تسعد بها .
  مازالت تتذكر شكل وجه الذي كان يتلون كل يوم بحالة ، فاليوم سعيد ، وبالأمس كان صارم، وغدا ربما يكون عبوس ومحتمل مرح. كانت تتسأل دائما هل هذا هو حال المحبوب كل يوم بحال ، متغير متقلب ، غير روتيني ، أو ربما متجدد ، وعندما كانت تسأله عن أسباب ذلك التطور اليومي ، كانت ينظر إليها في هدوء ويرد :" إن ذلك هو حال الدنيا، كل يوم بحالة ، أنت فقط التي تعيشين الرومانسية ولا تنظري إلي تطور العالم من حولك " .
 مرت شهور ليست بالطويلة ، ولكنها مرت عليها عصيبة ،بدأت تشعر فيها بالغربة والحيرة والخوف ، شعور يقودها نحو السقوط في هوة مظلمة بلا نهاية . أصبحت لا تقوي علي مواجهة ضغوط الحياة واحتمل الحب الذي هو تحت الضغوط ، فقررت الهرب إلي البحر ، إلي الكوخ الصغير المطل علي البحر الذي كانت دائما ما تهرب إليه عندما تحس بالضيق وعدم القدرة علي احتمال التفكير ، أو تلجأ إليه حينما تكون في حاجة إلي أخذ قرار مهم مثل قرار الحب والارتباط.
  واليوم هي في حاجة إلي حسم كل شئ حتي تستطيع أن تفتح صفحة جديدة علي طريق الصحيح ، وهذا لن يحدث إلا بمحو كل ذكريات الماضي ، وترك هذا الحب المزيف الذي يشد صاحبه إلي الوراء لا يدفع للأمام .
 إذن فالحل هو أن تقذف بكل ما هو مؤلم في غيابات البحر ، فمحو الماضي هو سبيلها للتقدم نحو المستقبل  .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق