الخميس، 25 سبتمبر 2014

مهن عفا عليها الزمن

مهن عفا عليها الزمن
   إن الهدف من هذه المقالة ليس التقليل من أي عمل سنتكلم عنه؛ فيكفي أن يكون الإنسان يعمل بجد أي عمل شريف ينفعه ويدر عليه دخل حتي ينال احترام الناس، وذلك دون أن يمد يده طلبا لمساعدة للناس أو يكون عاله علي المجتمع، ولكن الهدف هو تسليط الضوء علي تلك الأشغال التي يبذل فيها أصحابها الكثير من الجد والتعب دون أن يصل إلي أدني مستوي من الدخل الذي يوفر له وأسرته الحياة الكريمة في ظل تلك الظروف المعيشية الصعبة.
    دعونا نبدأ بالمهن التي كان لها باع طويل في الماضي وهي ماسح الأحذية، ففي وقت ليس بالبعيد كان الكثير من الناس يهتم بهيئته العامة وبالأخص لامعنا الحذاء باعتباره جزء لا يتجزأ من الشكل العام واحترام الشخص لنفسه وللآخرين، فكانت العادة الأساسية التي كان يحرص عليها الموظف يوميا قبل ذهابه إلي المصلحة الحكومية هي تلميع الحذاء عند ماسح الأحذية، وبالتالي كانت المهنة في ذلك الوقت مطلوبة جدا، كما أن المكسب الذي كانت تدره في ذلك الوقت كان مناسب إلي حد كبير مع الظروف المعيشة.
    أما الآن فقد طال التطور تلك المهنة كما طال كل شئ، وأصبح الناس الآن إما يلجأون إلي شراء الصبغات المستخدمة في عمليات تنظيف وطلاء الأحذية، أو مع التطور أكثر وأكثر ظهرت ماسحات وإسفنجة صغيرة تسخدم في أي مكان وأي وقت. وكذلك الأحذية القماشية التي لا تحتاج من الأساس إلي الصبغات فنلجأ ببساطة إلي قماشة صغيرة مبللة لتجعل الحذاء في ثواني يبدو وكأنه جديد تماما دون أدني جهد، وبالتالي فإن ذلك كله أدي بنا إلي الاستغان الشبه التام عن مهنة باع الأحذية، ورغم هذا الاستغان الشبه تام فإن لا يزال هناك الكثير ممن يمتهنون تلك المهنة وموجودين علي الأرصفة وفي الطرقات يحاولون بتلك العلبة البسيطة الصغيرة ذات الإمكانيات الضعيفة البحث عن قوتهم وقوت عيالهم ، وقد يلتف إليهم أحد بحفنة صغيرة من المال وقد لا يلتف، أو قد ينظر إليهم البعض بنظرة الحسرة والألم علي حالتهم وقد لا ينظر، ولكن المشكلة أنهم في النهاية كم مهمل لا يرضي حالهم أحد ولا يهتم بهم شخص.
      مهنة أخري لا يمكن التغافل عنها ونجد صاحبها دائما في كل شارع وهي باع غزل البنات، بالطبع هي كسبقتها من حيث تدني وتراجع أهميتها مع مرور الوقت، فقبل ذلك كانت عزل البنات يعتبر من الحلوي المطلوبة عند الأطفال مع قليل الحلوي وانغلاق الثقافات في الأوقات السابقة وعدم وجود مصادر إغراء كما هو الحال الآن ، إضافة إلي توافر ورخص المواد الداخلة في صناعته " كالسكر ومكسبات الطعم والماكينة المستخدمة في الصنع" ،فكان الصناعة في كثير من الأحوال تغطي تكليف صناعتها والجهد المبذولة في تسويقها وهامش معقول من الربح. أما اليوم فلو قمنا بعمل حساب بسيط للعناصر المستخدمة في الصناعة وما يبذله العامل يوميا في البيع وبخاصة أننا نجد بائع غزل البنات إما أن يكون عمره أقل من عشرين عاما أو أن عمره يتعدى الخامسة والستين عاما ، وفي كلا الحالتين فإننا لو بحثنا وراء الفئتين سنجد أن كثير منهم يمثل العائل الأساسي والوحيد لعائلته، فهل هناك من يهتم بذلك.
    والأمثلة لا تتوقف عند هاتين المهنتين فقط، بل هناك الكثير من الأعمال التي ظهرت في عصور قريبة وبعيدة وكانت تمثل شئ أساسي في الحياة وقتها، لكن مع مرور الأزمان وما يطرأ عليها من تطور فتبدأ تلك المهنة إما في الإندثار، أو تظل المهنة والعاملين بها ولكن يختفي آثارها وتأثيرها في المجتمع، وبالطبع النتيجة اتساع الطبقة التي تعمل بلا هدف... أو عائد...... أو نفع شخصي للفرد والمجتمع...
فهل نجد الحل؟