الأحد، 3 نوفمبر 2013

كنت اعتبرُها صديقة

كنت اعتبرُها صديقة
  كنت
 منذ نعومة أظافرنا آرها صديقتي وأختي، ولماذا لا نكون كذلك وأمهاتنا منتميين إلي أصل واحد وكانا أقرب إلي التوأم ولم يفرقهما شئ، وإذا كان بيني وبينها فروق فهي مجرد فروق في الألقاب وكنيات العائلة التي ننحدر منها لا أكثر ولا أقل، وإن كان ذلك لا يمثل مانع يحول عن كوننا نصبح أصدقاء وأخوة.
  كنت أنظر إليها كقدوة ومثل أعلي لابد لي وأن أسير علي نفس خطواته في كل شئ، ولما لا فهي لدينا كل المؤهلات والتي تندرج تحت مقومات القدوة والمثل الأعلي، فلها من اللباقة مالم يتمتع به أحد في سنها الصغير، فيمكنها أن تتحدث في أي موضوع بحضور ذهني لا مثيل له، أما أنا فبالأحرى أتحدث في أتفه الأمور التي دائما لا تهم سوي عقلي وبتلعثم في مخارج الحروف ونطق الكلمات تجعلني عاجزة عن الوصول إلي مدارك الجميع. كما كانت تتقن العديد من اللغات بمهارة في الحوار والأداة ، حتي أنك إذا من طريقة حوارها تتخيل أنها تنتمي إلي جنسية اللغة التي تتحدثها.
       كنت أحاول التقرب إليها قدر ما استطيع، بالكلام والحديث عن كل ما مر بي في المدرسة طوال الأسبوع، وعن المدرسيين والحصص والمواد الدراسية، واتنظر أن تأتي إلي بيت العائلة الكبير نهاية كل أسبوع ، اتخيل كيف سيكون اللقاء بيني ويبني. بل إني كنت أسعي لبذل جهد مضاعف كي ألفت نظرها دائما إلي وتتجاذب معي أطراف الحديث والكلام كما تفعل مع الآخرين.
     كنت آري أن الفرق العمري بيني وبيني الذي ليس بالكبير ولا بالصغير هو البوابة السهلة للعبور إليها وكسب صداقتها وودها اللذان ليس بالأمر اليسير، فهي التي تختار دائما من يجلس بجوارها ومن يجلس في مقابلها علي طاولة الطعام رغم كبر حجم العائلة، إلا أن الجلوس إلي جانبها هو شرف كبير تنعم به الملكة الكبيرة - كما كنت أصفها دائما- علي رعايها الصغار، وتشرف بنفسها علي نوع الطعام الذين يختارونه الصغار، بل وطريقة تناولهم له.
    كنت أسعي إلي تقليدها في طريقة أكلها وشربها والأناقة التي تتمتع بها، وتسريحة شعرها الذي كان يختلف كليا عن طريقة وشكل تسريحة شعري، ولكني كنت اعتبر أن تقليدي الأعمي لها هو الطريق الوحيد كي أكون مثلها وأصل إلي نفس ما وصلت إليه من اهتمام ورعاية وتقرب من مجتمع الكبار.
   كنت كذلك لكنني لم أحاول تفسير هروبها المستمر مني وابتعدها عني واقتربها من الآخر بل ومحاولتها تجنبي، وعللت ذلك لنفسي المريضة أن السبب هو بعدي المتكرر عنها نتيجة ظروف سكننا ودراستنا، وأحيانا أخري كنت أنسي أن أجد سبب لذلك الجفاء والتجنب الذي أجده منها الذي يشبه تجنب المصاب بالوباء القاتلة خشية العدوء والموت وذلك دون التأكد في الأصل من وجود المرض من عدمه، فهي كانت تتخذ معي إجراء إحترازي، تتكلم من خلف الجدار العازل الذي كان يفرض علي الالتزام بالخط الذي يجب ألا أتعداه إلا بأوامر تصدر عنها وإلا كانت النهاية بالنفي النهائي.
   كنت فقط احتاج إلي بصيص من النور كي أري نظرتها الحقيقة لي التي أظهرت الأيام، الحقيقة التي لا تراها الطفلة حين تظل سنوات حياتها تعتقد أن القمر يسير معها أينما ذهبت ويرافقها وحدها لتكتشف في النهاية أنها هي التي كانت تتحرك ، أما القمر فلا يعدو أن يكون مجرد جسم معتم ساكن لا تمثل هي بالنسبة له أي شئ.
    كنت ومازال وسأظل في حياتها جسم معتم لا يمثل لها أي شئ، مجرد طقوس حياتية عائلة ثقيلة علي قلبها تضطر أي القيام بها بشكل روتيني بلا أي شعور أو إحساس به.
   فأنا دائما بالنسبة لها مجرد
                               لأ شئ       "صفر"

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق