الثلاثاء، 28 مايو 2013

حياة لم أكن فيها



  
                                              

                          حياة لم أكن فيها

  عندما استعرض ذكريات وشرائط حياتي من صور أجد نفسي في أحيان كثيرة وكأنني لا أعرف من داخل هذه الأشخاص، حتي أني لا أذكر أنني كنت طرف من أطراف هذه الذكريات، كل ما أشاهد تلك الصورة مع الأصدقاء والأقارب أشعر بغربتي ، فأشعر كأني علاقتي بتلك الصور كمتفرج عادي لم يكن داخل تلك الذكريات، لا يعرف علاقاته بتلك البشر أو حتي لا يعرف موقعه داخل تلك الأحداث.
  ربما يري البعض أن هذا الإحساس نابع من كون مرور فترة طويلة علي تلك الذكريات، أو أن وقت حدوثها كان الإنسان لازال حديث السن فلا يستطيع تذكر تلك الأحداث، أو ربما من كثرة ما مر به الإنسان من مواقف تتفاوت فيما بين الفرح والحزن، ووقع ما تتركه الأحداث السيئة في نفس الإنسان أكثر من الأحداث المبهجة، الأمر الذي يؤدي بالإنسان في النهاية لأن يفقد وقع الآثار الحميدة التي تركتها الأحداث السيئة في نفسه.
  لكن ما يمكن تأكيده في هذا الأمر هو أن الإنسان الذي يترك نفسه فريسة للواقع السيئة في حياته عادة ما يكمل حياته في نفق مظلم لا يستطيع الخروج منه، بل وإن كل ما يحدث حوله عادة ما يقوده - سواء بطريقة مباشرة أو غير مباشرة- إلي المضي قدما في نفس الممر المظلم إلي مالا نهاية.
  عندما كنا في الماضي كنا نشعر بإحساسين متناقضين: أولهما رغبتنا في الاستمرار في تلك اللحظة لا تنفضي أبدا، وثانيهما الرغبة في تخطي ذلك الحاضر بسرعة تطلعا إلي مستقبل أفضل مختلف نستطيع فيه تحقيق ما نحلم به والذي قد نعجر عن تحقيق في ذلك الوقت.  ولكن للأسف بعد مرور ذلك الحاضر الذي أصبح ماضي اكشفنا زيف اللحظة التي تضاربت فيها المشاعر، بل وربما نفقد الإحساس بها من الأساس ونسعي إلي تناسي الفكرة واللحظة بكل ما تحمله من أحداث ومشاعر.
  خلاصة شعوري بعد ذلك العمر تساوي "صفر" لم أحصل أي شئ، كأن ما مر من العمر هو حلم حافل بالحلو والمر، حلم طويل استيقظت منه متأخرة ولم أستطع حتي الآن موقفي أو تفسيري لذلك الحلم، هل هو حلم جميل في حاجة إلي الاستكمال أم أنه كابوس لابد أن استعيذ منه من الشيطان الرجيم لكي أتمكن من استكمال حياته بعد محوه من ذاكرتي.
لكني وإن لم أتمكن من عمل ذلك المحو فعلي أن اتجه إلي النموذج أو التيار الذي يؤمن بضرورة عدم النظر إلي الوراء أو حتي مجرد تذكره في لحظة من اللحظات، بل لابد لي من أن أسعي جاهد إلي صنع الحياة التي طالما حلمت بها وتخيلتها في ذهني، فإذا كنا لا نختار حياتنا فلما لا نحاول صنع أقدارنا ومستقبلنا الذي ربما نجد فيها سلوي، ونصنع من خلاله اللحظة التي تجدر بأن تكون في وقت ما ذكريات كنا وعشنا وتمتعنا فيها بالفعل، ولا ننكرها أو نلقيها في طيات نسياننا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق