الثلاثاء، 11 ديسمبر 2012

مذكرات من خارج ميدان التحرير

مذكرات من خارج ميدان التحرير
حزب الكنبة سابقا
***********************
الحلقة الثانية
القشة
نعم كان هناك فساد واضح بلغ لما فوق العنان، ونعم أصبحنا نعاني من كل شئ في حياتنا: المرور، الأسعار، التعليم، تدني في الأخلاق والسلوك ،لكن ذلك كله بالإضافة إلي فضيحة انتخابات مجلس الشعب التي زادت من سخط الشعب مما يفعله فيه حكامه.
لأنه إذا كانت تسعي أو تقنع نفسه أنك سوف تنجح في الضحك علي الشعب فعليك أن تكون محنك في تأليف وإخراج المسرحية الهزلية، فلا يصح مثلا أن يكون موعد إغلاق صناديق الانتخاب في الثامنة مساءا، ويخرج علينا المهندس أحمد عز أمين عام التنظيم وأمين السياسيات السابق بالحزب الوطني المنحل في الساعة الثامنة والنصف من مساء نفس اليوم - أي بعد نصف ساعة فقط من إغلاق الصناديق- ليعلن تفوق الحزب الوطني الحاكم في نتائج الفرز الأولي لصالح الحزب الوطني ،وذلك بأغلبية ساحقة علي المقاعد.
كذا لم ينسي المهندس أحمد عز التعليق علي أحداث دائرة البرلس والحامول التي يقع فيها المرشح المستقل حمدين صباحي، والتي اعتبرها من أشرس الدوائر وأشدها سخونة، والتي أدت في النهاية إلي إعلان صباحي الانسحاب من الانتخابات واعتصامه هو وأقرانه احتجاجا علي تزوير التصويت.
الموضوع لم يكن يختلف كثيرا في أنحاء القطر كله إما بتزوير البطاقات أو باستخدام أصوات موتي في التصويت أو استخدام الرشوة سواء بالفلوس أو الطعام لشراء ذمم الناس الغلابة لحشد المزيد من المكاسب الزائفة.
وفي صباح اليوم التالي أصبح فضائح التزوير علي مرآي ومسمع من القاسي والداني ،اعترافات رجال القضاء في الصحافة والإعلام والفضائيات بالتزوير الذي كان يتم علنا في النهار ،والنسب الإدعائية للتصويت التي تم تزويرها، والأرقام الغير صحيحة التي أوضحت الفوز الساحق في الانتخابات بأغلبية المقاعد التي يتبوها السياسيين ورجال الأعمال والحكومة والحزب الوطني.
بالطبع رجل الشارع الغلبان لو سألته عن الانتخابات ولماذا لم يشارك فيها ،يكون رده ببساطة :( انتخابات ايه ياعم... كل عيش واشرب مياه.... انتخبت ولا ما انتخبتش اللي عايزه الحكومة هو اللي هيمشي... هو حد يقدر يقول للحكومة لا..... ده كان الواحد يروح الشمس لو قال لا للحكومة"... فهذا هو حال الشعب المصري الصامت القانع الراضي.
أما النخبة والساسة فلم تكن راضية بذلك الوضع، بل أنها بدأت تتخذ خطوات في التصعيد، وذلك من خلال تقديم طعن أمام المحاكم لإثبات بطلان وتزوير الانتخابات، وعمل احتجاجات ووقفات وإضربات ضد المجلس الجديد، ووسط كل هذا وذاك يخرج الرئيس الرأس الكبير في البلد في اجتماع مجلسي الشعب والشوري مع بدء الدورة الجديدة ليشرح مجموعة المشاكل التي تواجه الدولة من الأزمة الاقتصادية العالمية، والزيادة السكانية التي تلتهم التنمية، وكذا الآعباء التي تقع علي عاتق الدورة البرلمانية الجديدة من تشريع قوانين خاصة بالتأمين الصحي والضرائب ...وغيرها من المشاكل التي تحتاج إلي تشريعي المجلس.
ورغم كثرة الكلام المكرر المعهود للسيد الرئيس في تلك المناسبات ،إلا أن أكثر ما انتبهت إليه في هذا الخطاب نقطتين:
الأولي: الكلام التي لا يمكن أن انساها عندما قال احد الأعضاء (والفقرا ياريس)، بصراحة كان رد الرئيس كوميدي، وحتي لو كان هذا الرئيس يقوم بتمثيل فيلم كوميدي لم يكن رأي صانعي الفيلم في هذا الوقت مثل رد مبارك (ما كلنا كنا فقرا)، ده في رأي للأسف رد رئيس أو إنسان مسئول.
الثانية: مع وجود أزمة مباراة مصر والجزائر في أم دومان ،والتي انتهت ليس فقط بهزيمة المنتخب المصري وخروجه من المباراة النهائية المؤهلة لكأس العالم، ولكن أيضا ما حدث للجماهير التي ذهبت لمؤازرة المنتخب الوطني في السودان وما تعرضت له من إعتداء من قبل الجزائرية أو حتي بلطجية مجهولة غير معروفة الجنس أو الهوية، وقد كان الجميع في انتظار رد فعل القيادة السياسية علي حدث من إهانة للبعثة المصرية التي ذهبت للتشجيع والترفيه، وبعد ماذكره الرئيس في خطاب اجتماع الرئيس بالبرلمان الذي أكد فيه علي ضرورة الحفاظ علي الكرامة المصرية في الداخل والخارج ،الأمر الذي رأي فيه بعض الأعضاء إثلاج للصدور ورد للكرامة فهتف احدهم (عيد ياريس)، فكان الرد الفكهائي للرئيس (هو أنا أم كلثوم علشان أعيد)، فضحك الجميع واعتبرها سعت صدر من الرئيس للشعب، مع أن البعض لام وعاب علي الرئيس شخصيا عدم اهتمامه بإعادة كرامة الشباب الصغير الذي عاش ليلة مرعبة من أسود ليالي العمر ؛ لأن ذنبه الوحيد أن مشجع للمنتخب.
إذن أصبحت النفوس مشحونة من اعتداءات وانتخابات مزورة وارتفاع أسعار لا يوقفه أحد، إلا أن اللي فات كوم واللي جاي كوم تاني خالص.
التوقيت الذي تمت فيه أبشع جريمة لا يمكن تخيلها، 1-1-2011 الساعة 12:30 في ليلة رأس السنة التي يحتفل فيها المسيحيين بميلاد المسيح (عليه السلام)، تفجير كنيسة القديسين مار مرقص الرسول والبابا بطرس خاتم الشهداء في منطقة سيدي جابر بالإسكندرية ، وأثناء تأديتهم للصلاة في الدقائق الأولي للسنة الميلادية الجديدة فجأة وبدون أي مقدمات تنفجر سيارة مفخخة أمام الكنيسة تؤدي إلي وقوع 22ضحية وأكثر من 30 جريح.
الغريب في الأمر وبعيدا عن الحادث نفسه أنه بعد الحادث بدقائق قليلة تناقلت معظم وسائل الإعلام والفضائيات أخبار عن التفجير،لكنني باعتبار أنني كنت اشاهد التلفزيون المصري وقتها لم أجد إشارة ولا حتي في القناة الأولي عن الحادث، وكان مجرد خبر في شريط أخبار قناة النيل للأخبار الساعة الواحدة صباحا.
إن الحدث لم يكن بالسهل أو بالهين وبخاصة بعد وجود مجموعة من التهديدات قبل ذلك بإسبوعين تقريبا بوجود تهديدات عن وجود تفجيرات لمجموعة كنائس في مجموعة من دولة العالم منها مصر، فكان من الأولي بنا أخذ الاحتياطات اللازمة التي تحول دون حدوث الحادث المأسوي.
من تاريخ الأول من يناير بدأت الأحداث تتصاعد في وتيرة لم يكن لاحد تصورها أو السيطرة عليها، بدأت صبيحة يوم الحادث بمظاهرات تؤكد علي التنديد بما حدث، والتأكيد علي الوحدة الوطنية بين المسلمين والمسيحيين، وأن ما حدث غير مرضي لاحد مهما كانت دياتنه، وذلك في معظم المحافظات وبخاصة الاسكندرية
وفي الوقت ذاته خرجت مسيرات تتضم مجموعة من المسيحيين ترفع الصليب وصور المسيح والسيدة العذراء للتأكيد علي وجود كيان للمسيحيين في تلك البلد يمثل نسيج المجتمع من الصعب تجاهله أو التعدى علي حقوقه.
هذا بالنسبة للجانب الشعبي، أما بالنسبة لسير التحقيقات فإنها كانت تشير كلها إلي ضلوع بعد التنظيم الإرهابية وبخاصة تنظيم القاعدة في التفجير،كما أشارت بعض الآراء إلي وجود أصابع إسرائيلية في الحادث. وفي كل يوم في الجرائد والفضائيات يتم التأكيد من كل المسئوليين في الأجهزة الأمنية والمناصب العليا في الدولة علي أن المتورطين في الحادث سوف يتم استعمال أقصى أنواع العقاب لأنهم يريدون زعزعة أمن الوطن واستقراره.

سارت الحياة علي تلك الوتيرة الغاضبة من الحادث حتي يوم 23يناير 2011 اليوم الذي أًعلن فيه وقتها عن الاحتفال السنوي بعيد الشرطة والذي يحضره الرئيس ووزير الداخلية ، وخلال الاحتفال أكد السيد الرئيس علي أن آمن مصر لا يقبل المساس أمن الدولة، وأن كل المخططات التي تسعي لهدم أمن مصر سوف تؤدي في النهاية إلي الفشل.
كذا كشف الحفل النقاب عن نتائج التحقيقات في حادث الكنيسة الذي قال بأن الأجهزة الأمنية تمكنت من التعرف علي المتورطين الذين ينتمون إلي جيش الإسلام الفلسطيني ، وأن المتهم الأول في الحادث كان اعترف كتابيا بأنه تلقي التدربيات من خلال تسلله إلي غزة والجيش الإسلامي الذي تولي الإعداد معه بالبحث عن أهداف حيوية يتم ضربها لزعزعة الاستقرار.
بالتأكيد هذا البيان جاء في الوقت المناسب في محاولة من القيادة التأكيد علي قدراتها علي حفظ الوطن وحماية أراضيه ضد الهجمات الإرهابية، فالوطن لديه من يحميه ويدافع عنه. بالطبع قبول هذا الاحتفال بما جني من نتائج بالترحاب والتهليل من جميع الأوساط الشعبية والتي استطاعت أن تعرف من أين جاءت الضربة التي كادت تقسم البلد.
كل ذلك في كفة وما كان يحدث في تونس له حسابات موازين آخرى، ففي الوقت الذي كنا منشغلين فيه بالأوضاع المتردية التي نعيش فيها كان الأشقاء التونسيين يسعون إلي تحقيق نفس المطالب ولكن بصورة مختلفة.
كانت البداية عند أضرم بو عزيزى النار في نفسه في 17ديسمبر 2010 احتجاجا علي مصادرة الشرطة للعربة التي كانت تمثل المصدر الوحيد لرزقه، فكانت صورته وهو يضرم النار في نفسه الشرارة التي فجرت كل ما يعاني منه الشعب التونسي من أزمة متمثلة في البطالة والغلاء وتردى الأوضاع الاقتصادية في البلاد، وبدأت التظاهرات في الاشتعال أكثر وأكثر بين قوات الأمن انتهت باعتقال العديد من المتظاهرين. ومع اشتعال وتيرة الأحداث وسقوط العديد من القتلي والمصابين وتدمير المنشأت العامة، لجأ بن علي الرئيس التونسي إلي عمل تغيير في العديد من الوزارات،فلم يجدى الأمر، فأضطر إلي الدعوة للحوار الوطني، فلم يفلح  الحوار وتطور الأمر ليصل إلي حشد مظاهرة كبيرة نحو القصر الرئاسي، مما دعا بن علي إلي الهروب خارج البلاد في 14يناير 2011 بعد حكم مستبد استمر لمدة 23سنة ،وفراره مع أسرته إلي المملكة العربية السعودية.
هذا الأمر وتلك الثورة كان له صدى واسع في العديد من البلدان التي رأت أنه انتصار عظيم لشعب تونس الذي كافح في سبيل حريته، ولكن القيادة السياسية ومجموعة من المسئولين أن مصر ليست مثل تونس، وأن الوضع والحياة في تونس ليس مثل مصر التي تشهد العديد من التقدم نحو التنمية، المصريين لا يحبون الفوضي والعبث، وكان التأكيد دائما علي استحالة إعادة التجربة التونسية في مصر، والأدهي من ذلك أنه عندما سٌأل السيد جمال مبارك عن رأي في شباب الفيس بوك حينما سخر من الموضوع وقال أنهم لا يمكنهم سوى التنفيس عن أفكاره.
هذه الآراء تثبت أن المسئوليين لا يعرفون شيئا عن الشعب الذي يحكموه أو كيف يفكر وما هي معاناته، لينتهي الأمر في النهاية بخروج الشعب الغاضب في 25 يناير 2011 في كل ميادين مصر تحت شعار واحد :
(عيش ............. حرية.....................عدالة اجتماعية)
انطلق المظاهرات في كل الشوارع تحت هذا الشعار وسط تكثيف أمني واستخدام أقصى درجات العنف في التعامل مع المتظاهرين من خلال القنابل المسيلة للدموع والكردونات الأمنية للحيلولة دون انتشار التظاهرات ، ووصلت المظاهرات إلي ميدان التحرير لتعلن الاعتصام حتي تحقيق المطالب.
بل وسقط أول شهيدين في ميدان الأربعين بالسويس ليتم الإعلان بذلك عن قيام الثورة المصرية.....
ثورة من أجل التغيير.........
يتبع>>>>>>>>>>>>>

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق