كيف نختلف
أخبرنا الحق
تبارك وتعالي في كتابه العزيز بقوله ( وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا )، وقوله (
وما اختلف الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءهم الحق من ربهم ) أن الإختلاف هو
سنة الناموس الكوني، فمنذ الخلق الأول وإلي أن يرث الله الأرض ومن عليها ستكون
البشرية مختلفة ، علي أي شئ وكل شئ ، فالناس لم يٌجمعوا علي الإيمان بديانة واحدة : فهناك المسلم والمسيحي
واليهودي والبوذي ومن يعبدون النار ومن لا يعبدوا أي إله، كذلك هناك اختلاف بين
البشر في الآراء والأفكار والتوجهات والاعتقادات الفكرية ، فكما تقول الحكمة
" لولا اختلاف الأذواق لبارت السلع " ، وكذلك " الناس فيما يعشقون
مذاهب "، لذا لا يوجد اتفاق بين فرقة أو جماعة علي شئ واحد حتي ولو كانت
مجتمعة في الأصل علي إيمان واحد.
لذا فالإختلاف
هو الأصل وليس عرض طارئ علي البشرية نتيجة موقف معين أو ظروف سياسية أو اجتماعية ، فمن حقك كل الحق أن تختلف معي واختلاف معك، أن يتشبث
كلا منا برأيه ومعتقدته وإيمانه ، نتناقش ونتحاور (وجادلهم بالتي هي أحسن)، ومن
الممكن أن يقنع إحدى الطرفين الآخر، أو أن يظل كل طرف علي ما هو عليه، ولكن في
نهاية المناقشة والحوار لابد أن نصل إلي فكرة واحدة : أن الاختلاف في الرأي لا
يفسد للود قضية، وأن جميعنا ليس مطالب بإعنتاق أو التصديق في رؤى الآخرين حتي
يتمكن من التواصل معهم.
ما نعيشه
اليوم علي جميع الأصعدة من تناحر من أجل تنفرد كل فرد بفرض رؤيته وأفكار وتحقيق
أهدافه ومخططاته، دون النظر أو الاهتمام بتأثير ذلك علي الوطن أو الأفراد أو مدي
تضارب تلك الأهداف مع مصالح هذا أو ذاك، وإذا كان هذا الشخص أو تلك الجماعة أو
المنظمة علي علم أو إيمان واضح بمدي أهمية تلك الأفكار، فلماذا لا يقبل بوجود نوع من التوافق بينه وبين المختلف
معهم في الأفكار - أو حتي وإن وصل هذا الإختلاف في الدين والاعتقاد- أن يأخذ منهم
ما يحقق للجميع المصالحة العامة ، فأيهما من وجهة نظر هذا الفصيل المتشبث بالسلطة
والرأي يتقدم علي الآخر: مصلحة الجمع أو الفريق الذي يعتقد أن يملك الصواب كل
الصواب دون غيره ، ويعتقد أنه الوحيد الذي يملك الصواب والحق؟أم مصلحة الوطن
العليا التي تتطلب في أحلك الأوقات تظافر جميع الإتنماءات والتيارات دون أي
اعتبارات؟!
إن المشكلة
الأولي والأساسية والسبب الرئيسي فيما وصلنا إليه الآن من تشتت وتشرذم في كل حدب و صوب أننا لم نتعلم كيف نختلف، فقد نشأنا منذ الصغر علي احترام الكبير والعطف علي
الصغير، لكننا لم نتعلم أو تندرب علي السلوك الذي
يجب إتباعه عندما نختلف في رأي أو موضوع مع شخص ما، لم يعلمنا أحد أن الاختلاف أصل
وليس عارض في موقف، فعندما كنا مثلا نختلف ونحن صغار علي لعبة أو رأي - حتي إن كان
رأي طفولي تافه- كان مصير الاختلاف إما أن تضرب جميع الأطراف المتنازعة، أو تحرم
جميعها من الشئ مصدر النزاع، أو أن ينتهي الحكم في النازع إلي نصرة طرف عن الآخر،
نصرة سليمة كانت أو خاطئة في سبيل الإنتهاء من الموقف، ولكن كان لا ينظر في معظم
الأحوال إلي معالجة لب أو أصل النازع ، أو السعي من جانب الحاكم في القضية إلي أن
يفهم كل طرف ما بادر منه من صواب وخطأ في ذلك الأمر؛ لأن عدم مراعاة كل ما سبق من
شروط وأساسيات في تلك المسألة البسيطة - اللي هي في الأصل لعب عيال- أدي بنا في
النهاية إلي ما نراه أمام أعيننا من الكبار الذي لا يهمهم سوى المصلحة الخاصة.
علموا أولادكم
الاختلاف ، الذي لا يعني القتال ، أو بغض بين الناس، ولكن علموهم أنه إذا اختلف مع
الآخر عليك احترام رأيه وفكره لأن ذلك من شيم ديننا الحنيف الذي يرتقي بأخلاق
الشعوب التي تسعي إلي الرقي والتقدم، فكما تحترم الكبير ، احترم من تختلف معه في
الرأي والتفكير.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق